الضحية الخامسـة ~ عندما يفترسك حُلمك

المقدمـة , والخطوة الأولـى على الطريق ]

لم أصدق شعوري وقتهـا , أن أرى النظرة المتفاجئـة على ملامح والدي وهو يبتسم ابتسامة لم يسبق لي أن رأيتها من قبل ! , أمي تبكي من شدة الفرح , هل أنا في حلم ؟! ..
حسناً .. لشاب ٍ طمح بهذا الشيء أتوقع انه انجاز بالفعل , أن تصل إلى غايتك ؟! .. يا للروعة!
وضع والدي ورقة نتيجة الاختبارات النهائية للثانوية على مكتبه وهو يحاول استيعاب فرحتـه , وأنا بدوري حاولتُ استيعاب فرحتي وفرحتهمـا سوية ً ..
تقدم إلي والدي بخطوات ثابتة واحتضنني وربت على كتفي بصورة متتاليـة ثم همس بأذني :
- أنا فخور بك .. وسعيدٌ أيضاً ..
ابتسمتُ ولم أجبـه فلقد ألجمتني الفرحـة الصمت , بينما قالت أمي بصوت مبحوح بين طيات بكاءها المتقطع :
- ماهدفك إذاً ؟
- بالطبع أريد أن أكون مثل والدي , طبيباً ناجحاً !

بينما ارتسمت ابتسامة على وجه والدي صُعقت والدتي وأبدت اعتراضاً مباشراً .. وضع والدي يده على كتفها وقال بكل هدوء كما هي عادته :
- لا تستعجلـي يا امرأة ! .. بقي عدة أسابيع حتى يتم التقديم للجامعات , وخلال هذه المدة سيراجع قراره أكثر من مرة , أليس كذلك يا بُني ؟
كان قد حول نظره إلي في آخر جملتـه , فأومأتُ بالإيجاب ومن ثم استأذنتهمـا للصعود إلى غرفتي .
وكان هذا نهاية ليلـة ٍ في أوج سعادتها .

~

كنتُ شاباً كأي شاب ٍ طموح يسعى لأن يكون بأحلى صفات , محبوباً ومُهذباً ومشهوراً بين زملائي أيضا ..
في الحقيقـة كان والدي مثلي الأعلى الذي أقتديتُ به حتى في أحلامي ! ..

لكن هل يكون حلمه الذي اتبعه مناسباً لي ؟

مظهري لم يكن مُميزاً جداً , شخصٌ طبيعي بشعر ٍ بني وعينان لا تختلفان كثيراً عن لون شعري .. طول اعتيادي وبشرة بيضاء .. وغالباً في أوقات الاختبارات يجدني الناس بعيون حمراء قليلاً بسبب قلة النوم فقد كنتُ أسعى لأن أكون طبيباً جراحاً ! .. واحتجتُ للمعدل الذي يُمكنني من ذلك ..
والفضل لله أني وصلتُ الى مُبتغاي .. ولم يبقَ أمامي سوى انتظار يوم تقديم ملفات قبولي لجامعة العاصمة , والقيام باختبار بسيط لقدراتي .. ومن ثم .. أحقق ما أطمح إليه ! .

~

وما أسرع مضي الأيام بعد مضيها .. وماأبطئها حين تعيشهــا ..

على الرغم من أني أحسست بكل ثانية وكل دقيقة مرت وقتها إلا أن اليوم المُنتظر قد أتى بحق !
اتجهت بملفات قبولي لتلك الجامعة بعد أن أجريتُ اختبار القدرات , أُسلم ملفي للإدارة لكي أُسجل طالباً اعتيادياً ..
يفصل بيني وبين تلك اللحظة عدة خطوات !
ها أنا ذا اتقدم نحوه والابتسامة تعلو وجهي , وكيف لا تعلو وجهي وأنا حققتُ حلمي بجدارة ..

الابتسامة ؟ , هل ذكرتُ أن الابتسامة أسرع ما يتلاشى عند البشر ؟

رفعتُ يدي لكي أعطيه الملف الذي حمل كل المعلومات المطلوبة .. ثم .. تم أخيراً تحديد مصيري !


~~

اتجهتُ لذلك المقعد الفارغ في تلك المدرجات الكبيرة والواسعة في قاعة كبيرة كالتي اعتدتُ رؤيتها في الجامعات .. في التلفاز وغيرها , تقدمت بخطوات مسرعة فقد وصلت شبه متأخر فلم يبقَ سوى بضع دقايق ويدخل الأستاذ . .
وضعتُ ماأحمله من كتب ودفاتر صغيرة وقليلة على المنضدة أمامي ونظرت الى من على يساري .. كان شاباً في مثل عمري بالتأكيد ..
يضع نظارة رفيعة لاقت على وجهه الأبيض الوسيم , شعره الأسود مال على ملامحه قليلاً فعجزتُ عن تمييزها للوهلة الأولى , لكن في النظرة الثانية رأيتُ وجهه بالكامل بعد أن رفع رأسه ليحدق بوجهي , ابتسم ابتسامة باهتة قليلاً مُعبرة ً عن شخصيته الهادئة وقال :

- ما الذي يمنعك من الجلوس ؟

تلكأتُ قليلاً حتى أومأتُ بالإيجاب بابتسامة , حدة عينيه ولونها الأزرق الغامق العميق جعلتني أتوتر قليلاً . .
وهذا مافكرتُ فيه طيلة بداية المحاضرة الأولى .. في أولى مراحلي الدراسية في الجامعة .. في أولى خطوة لتحقيق حلمي ..
هذا أول شخص ٍ ألقاه وكان هكذا معي , أيجدر بي أن أتحدث معه مرة أخرى ؟!

- إيـاد هشام !!!!

صاح الأستاذ باسمي فانتفضتُ بسرعة ٍ من مكاني ولبستُ التوتر حتى أخمص قدمي , شعرتُ بالحرارة تتدفق من جسدي بعد أن أدركتُ أنها ربما المرة الثالثة التي ينادي فيها اسمي و .. أنا .. كنتُ سارحاً .. ياللهول !!
اي انطباع ٍ سأترك ؟!

بلا إرادة مني توجهت مقلتي نحو الساعة المعلقة فوق رأس المُدرس تقريباً , مُزينة ً على الحائط وكأنها تضحك علي وتشير بأنه قد مضى ربع ساعة على بداية المحاضرة , تضحك علي لأني سرحتُ خلال هذه المُدة متناسياً أني في قسم الطب , وأن في كل ثانية يجب أن آخذ معلومة .. لا مجال !
حدق إلي الأستاذ ببرود ثم عدل من وضعية نظارته العريضة وقال بعد أن زفر :
- أنتظر الإجابة على سؤالي ..
ياللمصيبة ! , هناك سؤال ٌ ايضاً ؟!! .. في أي عالم ذهبتُ خلال هذا الوقت , هل أنا مجنون ؟! ..
لم أرُد ..... بالطبع لم أرد ! فقد احترت ماذا أقول أو ماذا أختلق عذراً لي ..
زفر مُجدداً ثم قال وهو يقلب صفحات كتاب كبير وضع على الطاولة امامه :
- لا أجد مانعاً في استخدام ملاحظات كتبتـَها خلال كلامي السابق علك تجد ما تبحث عنه
ياللمصيبة الثانية !! .. أي ملاحظات ٍ يا رجل ! .. أنا طرتُ في عالم آخر خلال الكلام ..

لم أشعر إلا بضربة خفيفة على ساقي من الأسفل , تفاجأتُ قليلاً واستغللت انشغال الاستاذ بكتابه الكبير ذاك ونظرتُ إلى الأسفل لأجد الفتى نفسه إلى يساري يمد لي دفتره ويؤشر باصبعه على سطر ٍ كان قد دونه كما بدا لي ..
أدركت وقتها أنه يريد أن يرشدني إلى الجواب , حاولتُ استدراك ماقرأت بهذه السرعة ثم التفت للاستاذ أسرع ! , وأتحفته بتلك الإجابة , أومأ بالإيجاب بالرغم من شعوره بعدم الرضا كما أظن , تنفستُ الصعداء وجلست بعد أن شعرتُ وكأن الهم كله انزاح خلال هذه الثواني البسيطة ..
عزمتُ أمري على أن اصغي بكل حواسي لكل حرف يخرج من الاستاذ لذا فضلتُ تأجيل شكر من يجلس على يساري في وقت لاحق ..
مضت المحاضرة الأولى ببطء شديد قتلني , توقعتُ أن يكون ما أدرس بهذه الصعوبة بيد أني لم أتوقع أن يسألني الاستاذ ثلاثة أسئلة بعد ماحدث قبل قليل .. أو بالأحرى .. كثير ! .


«»«»«»

- هيه ! انتظر ! ..

صحتُ بالممر وأنا امشي بسرعة قليلاً بعد أن لمحتُ ذاك الشاب وهو مع أحد ٍ ما , قبل أن يلتفت لي ودَّع من كان معه ونظر إلي بعد أن رحل الآخر ,, ابتسم نفس الابتسامة التي رأيتها عليه سابقاً وقال :

- ما الأمر ؟
- وددتُ أن أشكرك فقط على مساعدتي في المحاضرة الأولى
- لا عليك , لم يكن الأمر بهذه الأهمية

تلكأتُ من رده البارد ذاك ونظرت إليه بتفحص ثم قلت بعد أن استعدتُ مرحي قليلاً :

- أتمانع إن عرفتُ اسمك ؟
- عامر وانت؟
- انا إيـاد سعدتُ بلقائك

ابتسم ولم يجبني , لوهلة شككتُ بأنه ليس سعيداً بلقائي لكن هذا الشك تلاشى مع رغبته بمصاحبتي إلى المنزل , دُهشتُ قليلاً ثم أجبتُ مباشرة :
- وأين يقع منزلك ؟!
- قريبٌ من المحطة , ألسنا على نفس الطريق ؟

أومأتُ بالإيجاب والابتسامة ارتسمت على وجهي بعد أن شعرتُ بالاطمئنان قليلاً , تمشينا لمدة قصيرة حتى وصلنا للباب الخارجي ونحن نتبادل المحادثات البسيطة , كان تلقائياً معي على الرغم من هدوئه الذي سيطر على شخصيته القوية ..
يعجبني هذا النوع من الاشخاص !
نظرتُ له بهدوء وسرحتُ قليلاً بسؤاله ( أدخلتَ كلية الطب برغبتك ؟ ) ..
تسائلتُ قليلاً , أهي رغبة ؟ أم سعيٌ غبي وراء حلم طفولة راودني مذ كنتُ في السابعة من عمري ..
كـ طفل صغير يُسأل

" – ماذا تريد أن تكون عندما تكبر ؟
- طبيب ! "

أحالي هكذا يا ترى ؟ .. ابتسمتُ ببهوت ٍ قليلاً ثم أجبت :
- هي رغبتي مذ كنتُ صغيراً
سكتُ قليلاً ثم قلت بسرعة :

- ماذا عنك ؟
- ساقني معدلي إلى هنا , لستُ من النوع الذي يطمح لمستقبل قد لا أستطيع تحقيقه
كان هذا جوابه بعد أن تنهد بقوة , عم الصمت علينا للحظات ونحن نغادر الجامعة من بابها الرئيسي لكي نودع اليوم الأول لنا ..

أشعرتَ يوماً بشعور أحد ٍ مُراقَب ؟! .. وكأن الناس جميعاً يحدقون بك .. لكن أعينهم لا تتجه نحوك !
شعور قد يزرع الاضطراب في نفسك .. الخوف .. التوتر .. يصيبك بزلات أثناء الكلام وهفوات أثناء التفكير ..
شعور يجعل ساقيك تتحرك بصورة غير طبيعية , وكأنك تريد أن تصرخ بأعلى ماعندك لكي تصرف هذه العيون ( أو العين ) عنك ..

حسناً .. قبل خطوتي الأخيرة خارج "مدرستي" الجديدة بكل مابداخلها أحسست بأحد ما يراقبني..
أهو شعوري وحدي ؟

التفتُ مباشرة وبحركة سريعة - تفاجأ منها عامر - إلى ورائي كنتُ متوتراً قليلاً وأنا أكاد أجزم بأن هناك أحدٌ ما يضع عينيه علي ..
لا ينظر لي بنظرة سريعة كنظرة شخص طبيعي يراك أول مرة , أنه يتفحصني ! يشاهد توتري ويراقب تحركاتي ..
منذ متى ؟!

من بين الطلاب المحتشدين والاساتذة البعيدين ومن يسرع للخروج .. لمحت شخصاً ما ..
كان يقف بعيداً , ماميزته هو .. ملابسُ سوداء .. شعرٌ اشعث .. و .. ملامح ؟؟
قلتُ ملامح ؟! ..

وضع عامرٌ يده على كتفي لكي يحثني للخروج فالتفتُ إليه وأنا اشير لذلك الشخص المريب , في اللحظة التي أعدتُ فيها ناظري إليه كان قد اختفى ! ,, لم أشهد ملامحه ولم أعرف ما إذا كان ما - أو من - رأيته حقيقي أو هو وهمٌ صوره لي ذهني المُشتت

عاد التوتر إلي وأنا أُومئ بالإيجاب وامضي مع صاحبي .. لكي أعلن عن بداية اضطراب شعوري في مصيري .

قيل لي أن رواد مكسـآت لا يحبذوا الأسماء العربيـة .. حسناً .. ربما سأقف وقفة هنا ..

أنا لا أستخدم الاسماء الانجليزية إلا إذا كانت القصة رومنسـية , وذلك لكي لـآ أجسد ما أجده "خطأ" بالأسماء العربية ,,

وكذلك والـأهم ..

لا أحب التأثر بالغرب في قصصي وإن كان الأمر لا يستحق ! , لكن عموماً روايتي القادمة بإذن الله ستكون بالأسماء الانجليزية ..

ترقبوا الفصل الأول بعنوان : بداية الحُلم المفترس

وأي رغبة بتغيير نوع الخط أو حجمه أنا جاهزة ^^

في أمان الله ورعايته